فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ في الرزق} أي جعلكم متفاوتين فيه فأعطاكم منه أفضلَ مما أعطى مماليكَكم {فَمَا الذين فُضّلُواْ} فيه على غيرهم {بِرَآدّى رِزْقِهِمْ} الذي رزقهم الله {على مَا مَلَكَتْ أيمانهم} على مماليكهم الذين هم شركاؤهم في المخلوقية والمرزوقية {فَهُمُ} أي المُلاّك والمماليك {فِيهِ} أي في الرزق {سَوَاء} أي لا يردونه عليهم بحيث يساوونهم في التصرف ويشاركونهم في التدبير، والفاء للدِلالة على ترتيب التساوي على الرد أي لا يردونه عليهم ردًّا مستتبعًا للتساوي، وإنما يردون عليهم منه شيئًا يسيرًا فحيث لا يرضَون بمساواة مماليكِهم لأنفسهم وهم أمثالُهم في البشرية والمخلوقية لله عز سلطانُه في شيء لا يختصّ بهم بل يعُمهم وإياهم من الرزق الذي هم أُسوةٌ لهم في استحقاقه، فما بالُهم يشركون بالله سبحانه وتعالى فيما لا يليق إلا به من الألوهية والمعبوديةِ الخاصّة بذاته تعالى لذاته بعضَ مخلوقاته الذي هو بمعزل من درجة الاعتبار وهذا كما ترى مثَلٌ ضُرب لكمال قباحةِ ما فعله المشركون تقريعًا عليهم كقوله تعالى: {هَلْ لَّكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم مّن شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} الآية {أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ} حيث يفعلون ما يفعلون من الإشراك فإن ذلك يقتضي أن يضيفوا نعم الله سبحانه الفائضةَ عليهم إلى شركائهم ويجحدوا كونَها من عند الله تعالى، أو حيث أنكروا أمثالَ هذه الحجج البالغةِ بعد ما أنعم الله بها عليهم، والباء لتضمين الجحودِ معنى الكفر نحو: {وَجَحَدُواْ بِهَا} والفاء للعطف على مقدر وهي داخلةٌ في المعنى على الفعل أي أيشركون به فيجحدون نعمته، وقرئ {تجحدون} على الخطاب، أو ليس الموالي برادّي رزقهم على مماليكهم بل أنا الذي أرزقهم وإياهم فلا يحسبوا أنهم يعطونهم شيئًا وإنما هو رزقي أُجريه على أيديهم فهم جميعًا في ذلك سواء لا مزيةَ لهم على مماليكهم، ألا يفهمون ذلك فيجحدون نعمة الله؟ فهو ردّ على زعم المفضَّلين أو على فعلهم المؤذِن بذلك أو ما المفضَّلون برادّي بعضِ فضلهم على مماليكهم فيتساووا في ذلك جميعًا مع أن التفضيلَ ليس إلا ليبلوَهم أيشكرون أم يكفرون، ألا يعرِفون ذلك فيجحدون نعمةَ الله تعالى؟ كأنه قيل: فلم يردوه عليهم، والجملةُ الاسميةُ للدلالة على استمرارهم على عدم الرد. يحكى عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما هم إخوانُكم فاكسُوهم مما تلبَسون وأطعِموهم مما تَطعَمون» فما رؤيَ عبدُه بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزارُه إزاره من غير تفاوت.
{والله جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ} أي من جنسكم {أزواجا} لتأنَسوا بها وتقيموا بذلك جميعَ مصالحِكم ويكون أولادُكم أمثالَكم، وقيل: هو خلقُ حواء من ضِلْع آدمَ عليه الصلاة والسلام {وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أزواجكم} وضع الظاهرُ موضعَ المضمر للإيذان بأن المرادَ جعلَ لكل منكم من زوجه لا من زوج غيره {بنيان} وبأن نتيجةَ الأزواج هو التوالد {وَحَفَدَةً} جمعُ حافد وهو الذي يسرع في الخِدمة والطاعة، ومنه قولُ القانت: «وإليك نسعى ونحفد» أي جعل لكم خدمًا يسرعون في خدمتكم وطاعتِكم.
وقيل: المرادُ بهم أولادُ الأولاد، وقيل: البناتُ عبّر عنهن بذلك إيذانًا بوجه المنة بأنهن يخْدُمن البيوت أتمَّ خدمة، وقيل: أولادُ المرأة من الزوج الأول، وقيل: البنون، والعطفُ لاختلاف الوصفين، وقيل: الأختان على البنات، وتأخيرُ المنصوب في الموضعين عن المجرور لما مر من التشويق وتقديمُ المجرور باللام على المجرور بمن للإيذان من أول الأمر بعَود منفعةِ الجعلِ إليهم إمدادًا للتشويق وتقويةً له، أي جعل لمصلحتكم مما يناسبكم أزواجًا وجعل لمنفعتكم من جهة مناسبةٍ لكم بنين وحفَدة {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} من اللذائذ أو من الحلالات، ومن للتبعيض إذ المرزوقُ في الدنيا أنموذجٌ لما في الآخرة {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ} وهو أن الأصنامَ تنفعهم وأن البحائرَ ونحوها حرامٌ والفاء في المعنى داخلةٌ على الفعل وهي للعطف على مقدر أي أيكفرون بالله الذي شأنُه هذا فيؤمنون بالباطل؟ أو أبعد تحقّقِ ما ذُكر من نعم الله تعالى بالباطل أو أبعد تحققِ ما ذكر من نعم الله تعالى بالباطل يؤمنون دون الله سبحانه {وَبِنِعْمَتِ الله} تعالى الفائضةِ عليهم مما ذكر ومما لا يحيط به دائرةُ البيان {هُمْ يَكْفُرُونَ} حيث يضيفونها إلى الأصنام، وتقديمُ الصلة على الفعل للاهتمام أو لإيهام الاختصاص مبالغةً أو لرعاية الفواصل، والالتفات إلى الغيبة للإيذان باستيجاب حالِهم للإعراض عنهم وصرفِ الخطاب إلى غيرهم من السامعين تعجيبًا لهم مما فعلوه.
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} لعله عطفٌ على يكفرون داخلٌ تحت الإنكار التوبيخيّ، أي أيكفرون بنعمة الله ويعبدون مِن دونه {مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مّنَ السموات والأرض شَيْئًا} إنْ جُعل الرزقُ مصدرًا فشيئًا نُصب على المفعولية منه أي ما لا يقدر على أن يرزقَهم شيئًا لا من السموات مطرًا ولا من الأرض نباتًا، وإن جُعل اسمًا للمرزوق فنصْبٌ على البدلية منه بمعنى قليلًا، ومن السموات والأرض صفةٌ لرزقًا أي كائنًا منهما ويجوز كونه تأكيدًا لِلا يملك أي لا يملك رزقًا ما شيئًا من الملك {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} أن يملكوه إذ لا استطاعةَ لهم رأسًا لأنها مَواتٌ لا حَراك بها، فالضميرُ للآلهة ويجوز أن يكون للكفرة على معنى أنهم مع كونهم أحياء متصرفين في الأمور لا يستطيعون من ذلك شيئًا فكيف بالجماد الذي لا حِسّ به.
{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال} التفاتٌ إلى الخطاب للإيذان بالاهتمام بشأن النهي أي لا تشركوا به شيئًا، والتعبيرُ عن ذلك بضرب المثَل للقصد إلى النهي عن الإشراك به تعالى في شأن من الشؤون، فإن ضربَ المثلِ مبناه تشبيهُ حالة بحالة وقصةٍ بقصة أي لا تُشَبّهوا بشأنه تعالى شأنًا من الشؤون، واللامُ مَثَلُها في قوله تعالى: {ضَرَبَ الله مَثَلًا لّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ} {وَضَرَبَ الله مَثَلًا لّلَّذِينَ ءامَنُواْ امرأة فِرْعَوْنَ} لا مثلُها في قوله تعالى: {واضرب لَهُمْ مَّثَلًا أصحاب القرية} ونظائرِه، والفاء للدلالة على ترتب النهي على ما عدّه من النعم الفائضةِ عليهم من جهته سبحانه، وكونِ ما يشركون به تعالى بمعزل من أن يملِك لهم من إمطار السموات والأرض شيئًا من رزق ما، فضلًا عما فُصّل من نعمة الخلق والتفضيل في الرزق ونعمةِ الأزواج والأولاد {إنَّ الله يَعْلَمُ} تعليلٌ للنهي المذكور ووعيدٌ على المنهيّ عنه، أي إنه تعالى يعلم كنهَ ما تأتون وما تذرون وأنه في غاية العِظم والقبح {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذلك وإلا لَما فعلتموه أو أنه تعالى يعلم كُنهَ الأشياء وأنتم لا تعلمونه فدعوا رأيَكم وقِفوا مواقفَ الامتثالِ لِما ورد عليكم من الأمر والنهي، ويجوز أن يُراد فلا تضرِبوا لله الأمثالَ إن الله يعلم كيف تُضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك فتقعون فيما تقعون فيه من مهاوي الردى والضلال. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} أي جعلكم متفاوتين فيه فأعطاكم منه أفضل مما أعطى مماليككم {فَمَا الذين فُضّلُواْ} فيه على غيرهم وهم الملاك {بِرَآدّى} أي بمعطي {رَزَقَهُمُ} الذي رزقهم إياه {على مَا مَلَكَتْ أيمانهم} على مماليكهم الذين هم شركاؤهم في المخلوقية والمرزوقية {فَهُمُ} أي الملاك الذين فضلوا والمماليك {فِيهِ} أي في الرزق {سَوَاء} لا تفاضل بينهم، والجملة الاسمية واقعة موقع فعل منصوب في جواب النفي أي لا يردونه عليهم فيستووا فيه ويشتركوا، وجوز أن تكون في تأويل فعل مرفوع معطوف على قوله تعالى: {بِرَآدّى} أي لا يردونه عليهم فلا يستوون، والمراد بذلك توبيخ الذين يشركون به سبحانه بعض مخلوقاته وتقريعهم والتنبيه على كمال قبح فعلهم كأنه قيل: إنكم لا ترضون بشركة عبيدكم لكم بشيء لا يختص بكم بل يعمكم وإياهم من الرزق الذي هم أسوة لكم في استحقاقه وهم أمثالكم في البشرية والمخلوقية لله عز سلطانه فما بالكم تشركون به سبحانه وتعالى فيما لا يليق إلا به جل وعلا من الألوهية والمعبودية الخاصة بذاته تعالى لذاته بعض مخلوقاته الذي هو بمعزل عن درجة الاعتبار، وهو على ما صرح به جماعة على شاكلة قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا مّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مّن مَّا مَلَكَتْ أيمانكم مّن شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} [الروم: 28]. يعنون بذلك أنه مثل ضرب لكمال قباحة ما فعلوه، وفي قوله تعالى: {أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ} قرينة كما قيل على ذلك، وكذا في قوله تعالى: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الامثال} [النحل: 74]، والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر وهي داخلة في الحقيقة على الفعل أعني {يَجْحَدُونَ} ولتضمن الجحود معنى الكفر جىء بالباء في معموله المقدم عليه للاهتمام أو لإيهام الاختصاص مبالغة أو لرعاية رؤوس الآي، والمراد بالنعمة قيل الرزق وقيل ولعله الأولى: ما يشمله وغيره من النعم الفائضة عليهم منه سبحانه أي يشركون به تعالى فيجحدون نعمته تعالى حيث يفعلون ما يفعلون من الإشراك فإن ذلك يقتضي أن يضيفوا ما أفيض عليهم من الله تعالى من النعم إلى شركائهم ويجحدوا كونها من عنده جل وعلا، وجوز كون المراد بنعمة الله تعالى ما أنعم سبحانه به من إقامة الحجج وإيضاح السبل وإرسال الرسل عليهم السلام ولا نعمة أجل من ذلك، فمعنى جحودهم ذلك إنكاره وعدم الالتفات إليه، وصيغة الغيبة لرعاية {فما الذين} وقرأ أبو بكر عن عاصم وأبو عبد الرحمن والأعرج بخلاف عنه {تجحدون} بالتاء على الخطاب رعاية لبعضكم، هذا وجوز أن يكون معنى الآية أن الله تعالى فضل بعضًا على بعض في الرزق وأن المفضلين لا يردون من رزقهم على من دونهم شيئًا وإنما أنا رازقهم فالمالك والمملوك في أصل الرزق سواء وإن تفاوتا كمًا وكيفًا، والمراد النهي عن الإعجاب والمن اللذين هما مقدمتا الكفران.
والعطف على مقدر أيضًا أي أيعجبون ويمنون فيجحدون نعمة الله تعالى عليهم، وقيل: التقدير ألا يفهمون فيجحدون؛ واختار في الكشاف أن المعنى أنه سبحانه جعلكم متفاوتين في الرزق فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهو بشر مثلكم وإخوانكم وكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم حتى تساووا في الملبس والمطعم كما يحكى عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تطعمون» فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت، وحاصله أن الله تعالى فضلكم على أمثالكم فكان عليكم أن تردوا من ذلك الفضل عليهم شكرًا لنعمته تعالى لتكونوا سواء في ذلك الفضل ويبقى لكم فضل الإفضال والتفضل.
فالآية حث على حسن الملكة وأدمج أنهم وعبيدهم مربوبون بنعمته تعالى ذلك مع تقلبهم فيها ليكون تمهيدًا لكفرانهم نعمه سبحانه السوابغ إلى أن جعلوا له عز وجل أندادًا لا تملك لنفسها ضرًا ولا نفعًا فعبدوها عبادته تعالى أو أشد وأسد، وفي ذلك من البعد ما فيه، والعطف فيه على مقدر أيضًا كألا يعرفون ذلك فيجحدون.
{والله جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ} أي من جنسكم ونوعكم وهو مجاز في ذلك، والأشهر من معاني النفس الذات ولا يستقيم هنا كغيره فلذا ارتكب المجاز وهو إما في المفرد أو الجمع، واستدل بذلك بعضهم على أنه لا يجوز للإنسان أن ينكح من الجن {أزواجا} لتأنسوا بها وتقيموا بذلك مصالحكم ويكون أولادكم أمثالكم.
وأخرج غير واحد عن قتادة أن هذا خلق آدم وحواء عليهما السلام فإن حواء خلقت من نفسه عليه السلام، وتعقب بأنه لا يلائمه جمع الأنفس والأزواج، وحمله على التغليب تكلف غير مناسب للمقام، وكذا كون المراد منهما بعض الأنفس وبعض الأزواج {وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أزواجكم} أي منها فوضع الظاهر موضع الضمير للإيذان بأن المراد جعل لكم منكم من زوجه لا من زوج غيره {بنيان} وبأن نتيجة الأزواج هو التوالد {وَحَفَدَةً} جمع حافد ككاتب وكتبة، وهو من قولهم: حفد يحفد حفدًا وحفودًا وحفدانًا إذا أسرع في الخدمة والطاعة، وفي الحديث: «إليك نسعى ونحفد» وقال جميل:
حفد الولائد حولهن وأسلمت ** بأكفهن أزمة الأجمال

وقد ورد الفعل لازمًا ومتعديًا كقوله:
يحفدون الضيف في أبياتهم ** كرمًا ذلك منهم غير ذل

وجاء في لغة كما قال أبو عبيدة أحفد أحفادًا، وقيل: الحفد سرعة القطع، وقيل: مقاربة الخطو، والمراد بالحفدة على ما روي عن الحسن.
والأزهري وجاء في رواية عن ابن عباس واختاره ابن العربي أولاد الأولاد، وكونهم من الأزواج حينئذٍ بالواسطة، وقيل: البنات عبر عنهن بذلك إيذانًا بوجه المنة فإنهن في الغالب يخدمن في البيوت أتم خدمة، وقيل: البنون والعطف لاختلاف الوصفين البنوة والخدمة، وهو منزل منزلة تغاير الذات، وقد مر نظيره فيكون ذلك امتنانًا بإعطاء الجامع لهذه الوصفين الجليلين فكأنه قيل: وجعل لكم منهن أولادًا هم بنون وهم حافدون أي جامعون بين هذين الأمرين، ويقرب منه ما روي عن ابن عباس من أن البنين صغار الأولاد والحفدة كبارهم، وكذا ما نقل عن مقاتل من العكس، وكأن ابن عباس نظر إلى أن الكبار أقوى على الخدمة ومقاتل نظر إلى أن الصغار أقرب للانقياد لها وامتثال الأمر بها واعتبر الحفد بمعنى مقاربة الخط، وقيل: أولاد المرأة من الزوج الأول، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه والبخاري في تاريخه والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنهم الأختان وأريد بهم على ما قيل أزواج البنات ويقال لهم أصهار، وأنشدوا:
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ** لها حفد مما يعد كثير

ولكنها نفس على أبية ** عيوني لأصهار اللئام تدور

والنصب على هذا بفعل مقدر أي وجعل لكم حفدة لا بالعطف على {بنيان} لأن القيد إذا تقدم يعلق بالمتعاطفين وأزواج البنات ليسوا من الأزواج.
وضعف بأنه لا قرينة على تقدير خلاف الظاهر وفيه دغدغة لا تخفى.
وقيل: لا مانع من العطف بأن يراد بالأختان أقارب المرأة كأبيها وأخيها لا أزواج البنات فإن إطلاق الأختان عليه إنما هو عند العامة وأما عند العرب فلا كما في الصحاح، وتجعل {مِنْ} سببية ولا شك أن الأزواج سبب لجعل الحفدة بهذا المعنى وهو كما ترى.
وتعقب تفسيره بالأختان والربائب بأن السياق للامتنان ولا يمتن بذلك.
وأجيب بأن الامتنان باعتبار الخدمة ولا يخفى أنه مصحح لا مرجح.
وقيل: الحفدة هم الخدم والأعوان وهو المعنى المشهور له لغة.
والنصب أيضًا بمقدر أي وجعل لكم خدمًا يحفدون في مصالحكم ويعينونكم في أموركم.
وقال ابن عطية بعد نقل عدة أقوال في المراد من ذلك: وهذه الأقوال مبنية على أن كل أحد جعل له من زوجته بنون وحفدة ولا يخفى أنه باعتبار الغالب، ويحتمل أن يحمل قوله تعالى: {من أزواجكم} على العموم والاشتراك أي جعل من أزواج البشر البنين والحفدة ويستقيم على هذا إجراء الحفدة على مجراها في اللغة إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحدهم عن حفدة اه، وحينئذٍ لا يحتاج إلى تقدير لكن لا يخفى أن فيه بعدًا، وتأخير المنصوب في الموضعين عن المجرور لما مر غير مرة من التشويق، وتقديم المجرور باللام على المجرور بمن للإيذان من أول الأمر بعود منفعة الجعل إليهم إمدادًا للتشويق وتقوية له.
{وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} أي اللذائذ وهو معناها اللغوي، وجوز أن يراد بالطيب ما هو متعارف في لسان الشرع وهو الحلال.
وتعقبه أبو حيان بأن المخاطبين بهذا الكفار وهم لا شرع لهم فتفسيره بذلك غير ظاهر.